مقارنة أنظمة مؤسسات ضمان الودائع المصرفية في بعض الدول
تعرض الاقتصاد العالمي في عقد الثمانينات ومطلع التسعينات لعدة أزمات مالية ومصرفية كان أهمها مشكلة الديون العالمية التي أدت إلى إضعاف النظام المصرفي الدولي وكشف للجميع وضع المصارف الداعي للقلق إذ اتضح أن البنوك التجارية العالمية التي لعبت دوراً هاماً النظام المصرفي تعاني من ضعف رأس مالها وعدم جودة أصولها وارتفاع نسبة ديونها المشكوك فيها.
وقد أدت هذه العوامل إلى إنشاء أنظمة ضمان الودائع المصرفية في بعض الدول وزاد الاهتمام واتسعت دائرة الأقطار التي تتطلع إلى تبني أو اتخاذ خطوات وإجراءات تشريعية وتنظيمية لحماية ودائع الجمهور لدي المؤسسات الجهاز المصرفي علي اختلاف أنواعها ومسمياتها.
ضمان الودائع المصرفية تطبيق من حزمة تطبيقات عقود التامين التي تهدف عادة إلى تعويض الشخص المضمون عن الخسائر التي يتعرض لها في الأموال والممتلكات والسلع، أو عن الخسائر والأضرار البشرية سواء في معرض ممارسة النشاطات الاقتصادية أو في حالات التعرض إلى أضرار من جراء أحداث غير متوقعة، وفي حالة ضمان الودائع المصرفية فإن هذا النوع من التامين يتميز بأنه:
– إن ضمان الودائع غير موجه لحماية فرد أو مؤسسة أو جماعة معينة ، ولكنه موجه نحو المجتمع عامة وبصفة خاصة صغار المودعين وذلك لان صغار المودعين قد لا تتوافر لهم المعلومات الكافية عن المراكز المالية للبنوك التي يودون لإيداع مدخراتهم بها وعليه فإن نظام ضمان الودائع المصرفية يساعد هذه الفئة على إيداع ودائعهم في أي من البنوك.
– إن ضمان الودائع المصرفية لا يستهدف بالضرورة الربح من الجهة الضامنة وبالتالي فإن الضامن في الغالب هو ليس جهة تسعى إلى الربح، وإنما الغاية الأساسية لعملية الضمان هي تعزيز الثقة العامة لدى جمهور المودعين في النظام المصرفي وبالتالي تحقيق الاستقرار لوحدات الجهاز المصرفي بأن تقوم بدورها الشامل بقدرة وكفاءة.
– إن ضمان الودائع المصرفية يقوم على فلسفة التكامل بين طرفين رئيسيين هما الجهاز المصرفي من جهة (وبالتالي المودعون الذين سيحصلون على فوائد أقل على ودائعهم مقابل التخلص من المخاطرة وظروف عدم التأكد) والسلطة من جهة أخرى، (وبالتالي الاقتصاد الوطني بأكمله حيث يشارك جميع المواطنين في الفوائد الناجمة عن تجنب حالات الفزع العام مقابل الموارد الحقيقة التي ستخصص لإدارة أنظمة الضمان).
التطور التاريخي لأنظمة ضمان الودائع المصرفية:-
ظهر أول نظام لضمان الودائع المصرفية في العالم في ولاية نيويورك الأمريكية وذلك عام 1829م ثم قامت عدة ولايات بإنشاء نظم مماثلة. ومع نهاية القرن التاسع عشراً اختفت جميع أنظمة ضمان الودائع وذلك لعدة أسباب من أبرزها عدم كفاية رأس المال ونقص السيولة .
وبالإضافة إلى ذلك فقد كان لرداءة المواسم الزراعية والأزمات المالية المتلاحقة أثر واضح في عجز المصارف عن الوفاء بديونها وإفلاس العديد منها مما وضع عبئاً ثقيلا على أنظمة ضمان الودائع المصرفية والتي كان ينقصها آنذاك وجود(مقرض أخير) Lender of last resort حيث أن نظام الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) لم يكن قد أنشي بعد.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت أول دولة تقيم نظاماً لضمان الودائع على مستوى الولاية، إلا أن تشيكوسلوفاكيا تعتبر أول دولة أنشأت نظاما متطورا لحماية الودائع والقروض على المستوى القومي وذلك عام 1924م. فقد أنشأت تشيكوسلوفاكيا في ذلك الوقت صندوقين أحدهما (صندوق الضمان الخاص) الذي أنشي ليساعد البنوك على استعادة خسائرها الناجمة عن الحرب العالمية الأولى و (صندوق الضمان العام) لتشجيع الادخار بزيادة درجة سلامة الودائع ومساعدة المصارف لتتطور على أحسن وجه ممكن ، وقد كانت وزارة المالية هي التي تدير هذه الأموال بالتشاور مع ممثلي المصارف.
وفي عام 1933م صادق الكونغرس الأمريكي على قانون المصارف الذي كان يهدف إلى معالجة العيوب التي ظهرت في النظام المالي الأمريكي والتي أدت إلى فشل كثير من البنوك في فترة (الكساد الكبير) Great Depression.
وبموجب هذا القانون أنشئت المؤسسة الفيدرالية للتامين على الودائع (Federal Deposit Insurance corporation (FDIC عام 1934م لتدير نظام التامين على الودائع لدى البنوك التجارية.
والجدير بالذكر أنه مضت فترة طويلة على إنشاء المؤسسة الفدرالية لضمان الودائع في أمريكا قبل أن تنشئ بلدان أخرى مؤسسات مشابهة. ولكن عندما أقامت تركيا “صندوق تصفية المصارف” عام 1960م حذت حذوها بلدان عدة بإنشاء نظم ضمان الودائع حيث بدأت الدول الأوربية وبعض دول العالم الثالث بالاهتمام بموضوع حماية المودعين فأنشأت ألمانيا عام 1974م صندوقا خاصاً لحماية أموال المودعين، بعد انهيار بنك هيرشتات Herstatt حين عجز البنك الفيدرالي الألماني عن احتواء آثار الفشل المالي للبنك، وفي بريطانيا أدى حدوث أزمات مصرفية حادة مع بداية السبعينات إلى إنشاء نظام لحماية المودعين Deposit Protection Scheme في عام 1979م. وأنشأت إيطاليا في الثمانينات نظاماً لحماية الودائع، تلتها فرنسا في العام 1985م عقب انهيار البنك السعودي الفرنسي.
أما في العالم العربي، فتعبر لبنان أول دولة اهتمت بإنشاء نظام لحماية المودعين، حيث قامت في عام 1967م بإنشاء مؤسسة وطنية لضمان الودائع حزت حزوها بعض البلدان العربية فأنشأت دولة البحرين مجلس حماية الودائع عام 1993م.
تلاها السودان بإنشاء صندوق ضمان الودائع المصرفية عام 1996م كما قام الأردن بإنشاء مؤسسة ضمان الودائع المصرفية في عام 2000م وقامت جمهورية مصر العربية بتقديم قانون لإنشاء صندوق التامين على الودائع المصرفية. وأخيراً، هناك في الوقت الحاضر مشاريع لإنشاء أنظمة وطنية لحماية الودائع في كثير من البلدان العربية والأفريقية.
أنظمة ضمان الودائع المصرفية في بعض الدول المختارة:
إدارة نظام ضمان الودائع خاص أم عام |
نوع الودائع التي تستحق التعويض |
نوعية التعويض |
العضوية |
نسبة مساهمة المصارف من الودائع |
تمويل نظام ضمان الودائع |
حجم التغطية |
تاريخ إنشاء نظام الضمان |
الدولة |
دول متقدمة |
||||||||
حكومي |
كل الودائع |
إلزامي |
اختياري للبنوك الأجنبية وإجباري للبنوك الوطنية |
مبني على المخاطر من صفر إلى 0.27% |
أقساط سنوية |
100.000دولار |
1934 |
الولايات المتحدة |
اتحاد المصارف التجارية |
كل الودائع |
تطوعي |
اختياري |
0.33% |
أقساط سنوية |
60.000 دولار كندي الودائع بالعملات الأجنبية غير المغطاة |
1967 |
كندا |
حكومي |
ودائع الجنيه الإسترليني |
تطوعي |
اختياري |
(حسب الطلب) |
مساهمات أولية وأقساط سنوية |
75% من الودائع بحد أقصى 30.000 إسترليني الودائع بالعملات الأجنبية غير مغطاة |
1979 |
المملكة المتحدة |
شبه حكومي |
ودائع الين الياباني |
إلزامي |
إجباري |
أقساط سنوية |
10مليون ين ياباني الودائع بالعملات الأجنبية غير مغطاة |
1971 |
اليابان |
|
دول نامية |
||||||||
حكومي |
كل الودائع |
إلزامي |
اختياري |
0.05% |
أقساط سنوية |
100% |
1960 |
تركيا |
حكومي |
ودائع الروبية الهندية |
إلزامي |
اختياري |
أقساط سنوية |
30.000روبية |
1962 |
الهند |
|
حكومي |
ودائع بيزو أرجنتيني |
تطوعي |
اختياري |
أقساط ومساهمات من البنك المركزي والمؤسسات المالية |
100% من الودائع 100 مليون بيزو (الودائع الأجنبية حتى عام 1979م مغطاة ولا يغطي الودائع الجديدة بالعملات الأجنبية) |
1979 |
الأرجنتين |
|
دول عربية |
||||||||
حكومي |
ودائع الليرة اللبنانية |
إلزامي |
إجباري |
0.05% |
أقساط سنوية |
5 مليون ليرة لبنانية الودائع بالعملات الأجنبية غير مغطاة |
1967 |
لبنان |
حكومي |
كل الودائع المحلية والأجنبية |
إلزامي |
إجباري |
(حسب الحالة) |
مساهمات أساسية حسب حجم الودائع |
15 ألف دينار بحريني كحد أقصى أو ثلاثة أرباع القيمة الإجمالية للودائع |
1993 |
البحرين |
يظهر من الجداول أن نظم ضمان الودائع المصرفية في اغلب بلدان العام هي نظم حديثة العهد نسبياً، والمتتبع للأحداث المصرفية يلاحظ أنه في معظم الحالات تقريباً كان إنشاء أنظمة ضمان الودائع جزءاً من مجموعة إصلاحات شملت في ما شملت تقوية الصلاحيات الإشرافية والتنظيمية والرقابية للسلطات النقدية.
وكما يتضح من الجدول أيضا، فعلى الرغم من وجود بعض أنظمة الضمان التي تدار من قبل المؤسسات الأعضاء نفسها ومن غير تدخل حكومي، فإن اغلب أنظمة الضمان تديرها السلطات النقدية في الدولة المعنية مثلا الولايات المتحدة، تركيا، المملكة المتحدة، اليابان، الهند وكل الدول العربية. والاستثناءات البارزة لهذه القاعدة نجدها في فرنسا وألمانيا حيث قامت اتحادات المصارف التجارية بإنشاء مؤسسات ضمان الودائع وتقوم بإدارتها.
وفي اغلب الدول يكون اشتراك البنوك التجارية في أنظمة الضمان إجباريا ولا يتأثر هذا العامل بدرجة التقدم الاقتصادي لدولة فهو ملاحظ في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. فالعضوية بألمانيا مثلاً اختيارية، ولكنها في كندا إجبارية وهي اختيارية في الهند ولكنها إجبارية في السودان وفي الأردن فإن القانون ينص على أن العضوية إجبارية لجميع البنوك والشركات المالية ومؤسسات الإقراض المتخصصة التي تقبل الودائع إلا أنها اختيارية بالنسبة للبنوك الإسلامية.
وأغلب أنظمة ضمان الودائع المصرفية الموجود هي نظم فعلية بمعنى أن للمودعين حق قانوني بالتعويض، إلا أنه هنالك بعض الدول مثل الأرجنتين لا تتضمن أنظمتها إلزاماً قانونياً بالتعويض.
ومن حيث التغطية، يقوم نظام ضمان الودائع المصرفية في العادة على أساس جغرافي بمعنى أنه يشمل المؤسسات المصرفية الوطنية والأجنبية وفروعها داخل القطر المعني ولا يشمل ودائع فروع البنوك الوطنية في الدول الأجنبية. وجميع أنظمة الضمان تحمي ودائع المقيمين وغير المقيمين ولكنها تنقسم تقريبا من حيث حماية الودائع بالعملات الأجنبية وعدم حمايتها.
في كل البلدان تقريبا هناك حد أعلى لحماية بالنسبة لكل مودع. وليس هنالك معيار موحد يتم تطبيقه على كل أنظمة الضمان ولكن في معظمها يغطي الحد الأعلى المضمون من الودائع نسبة كبيرة من عدد المودعين ونسبة اصغر من قيم أو حجم الودائع المضمونة. والجدير بالذكر في هذا الصدد أنه قد خلصت الدراسات التي أجراها صندوق النقد الدولي إلى حكم معمم (a rule of the thumb) بأنه من المناسب أن يكون الحد الأعلى المضمون من الودائع بمقدار مثل أو مثلي متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (One or two times their capital GDP) وفي السودان يبلغ الحد الأعلى المضمون للودائع الجارية والادخارية نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (One time per capita GDP) ويختلف الحد الأعلى المضمون من بلد إلى آخر حيث يصل إلى 100% من حقوق المودعين في تركيا، والى ما يعادل 75% من القيمة الإجمالي من ودائع في البحرين و10 ألف دينار في الأردن و5 مليون ليرة في لبنان أما في الولايات المتحدة فيصل إلى مائة ألف دولار وفي بريطانيا يصل إلى 75% من القيمة الإجمالية للودائع بحد أقصى 20.000 جنية إسترليني.
ومما تجدر الإشارة إليه انه في اغلب أنظمة ضمان الودائع المصرفية تقتضي القوانين أن يتحمل المودع مهما كان صغيراً جزءاً من الخسائر وغاية ذلك فيما يبدو هي تقديم حماية محدودة للمودع اكثر مما هي منع التراكض على سحب الودائع من المصارف. وفي هذا الصدد فقد خلصت دراسات صندوق النقد الدولي (IMF) إلى أن نسبة تغطية 80% تبلغ من عدد المودعين تعتبر كافية وبالنسبة لتغطية قيمة الودائع فإن من المتفق عليه بصورة كبيرة إلا تكون التغطية عالية لأن هذه النظم أنشئت لصالح صغار المودعين أما كبار المودعين فيتوقع منهم أن يكونوا نشطين في تتبع أحوال المصارف التي يودعون بها أموالهم، وبالتالي يكون هنالك قدر معقول من الانضباط عن طريق آليات السوق(Market Discipline) وحتى لا يؤدي ضمان الودائع إلى مخاطر سلوكية (Moral Hazard) تتمثل في تكاسل المودعين عن رصد أحوال مصارفهم أو ان تصبح المصارف نفسها أكثر مغامرة في أعمالها. وعلى الرغم من ذلك نجد أن الحد الأعلى المضمون من الودائع يرتفع تدريجيا عبر الزمن ليواكب ما أمكن التغيرات الاقتصادية من نمو الدخل القومي وارتفاع معدلات التضخم وبالإضافة إلى ذلك نجد أن بعض البلدان تختار حلول للمصارف المتعثرة بخلاف تصفيتها مثلا، تعلم على إعادة هيكلتها وإدارتها إلى أن تتحسن أوضاعها المالية أو بيعها أو دمجها في مصارف أخرى ذات مراكز مالية جيدة كما هو الحال في كندا.
الدور الوقائي لأنظمة ضمان الودائع المصرفية:
من الملاحظ أن معظم تشريعات أنظمة الضمان تتوخي الحماية الوقائية وليس العلاجية أي أنها تهدف إلى حماية أموال المودع من خلال الرقابة المسبقة على المصارف قبل وصول المصرف إلى مرحلة التوقف عن الدفع إلا أن هذا الدور الوقائي يتفاوت من بلد إلى آخر وفي السودان مثلاً، أعطى القانون الصندوق سلطة جمع المعلومات والتقارير والبيانات إلى البنوك العاملة مباشرة أو عن طريق بنك السودان وكذلك صلاحية إجراء مراجعة خاصة لأي بنك أو تفتيش في دفاتره عن طرق بنك السودان، وذلك من اجل التأكد من السلامة المالية لأي مصرف، كما أن هنالك آلية للتنسيق المستمر بين الصندوق و بنك السودان في هذا المجال، أما في البحرين فلم يمنح القانون أي سلطات أو صلاحيات وقائية لنظام الضمان وكذلك الحال في كل من مصر وفرنسا وألمانيا، أما في الأردن فإن القانون منح مؤسسة الضمان بعض الأدوار الجوازية للرقابة الوقائية، وفي لبنان يبرز الدور الوقائي لمؤسسة الضمان من خلال التنسيق مع لجنة الرقابة على المصارف في مجال الاطلاع على أنشطة المصارف العاملة ومدى تقيدها بالأحكام المصرفية.
أما في الولايات المتحدة فيبرز الدور الوقائي بقوة حيث أعطيت مؤسسة ضمان الودائع الفيدرالية (FIDC) سلطات وصلاحيات رقابية واسعة على المصارف المضمونة وحتى تلك غير المضمونة، كما أنها تتمتع بصلاحيات كبيرة لإجراء أية رقابة خاصة على كافة
المصارف العاملة والمؤسسات التابعة لها Subsidiaries، كما أنها تقوم بمراجعة أداء أي مصرف مرة واحدة على الأقل كل عام.
الميزات الاقتصادية والاجتماعية لأنظمة ضمان الودائع المصرفية:
1. العمل على حل مشاكل الفشل المالي التي تعرضت لها البنوك (بنك نيما للاستثمار وبنك الصفا للائتمان والاستثمار في حالة السودان) مما وفر جواً من الثقة لدى المودعين.
2. تحقيق الاستقرار الاقتصادي بطريقة فعالة عن طريق ضمان الودائع للمصارف.
3. العمل على حماية حقوق المودعين واستقرار وسلامة المصارف وتدعيم الثقة فيها من خلال الدور الوقائي.
موارد أنظم ضمان الودائع المصرفية:
فيما يتعلق بمصادر تمويل أنظمة الضمان نجد أن معظم قوانين ضمان الودائع المصرفية تحدد مصادر أموال المؤسسة برأس المال الذي عادة ما يتكون من مساهمات أساسية إلزامية تدفعها البنوك التجارية الأعضاء عند تأسيس نظام الضمان بالإضافة إلى مساهمة البنك المركزي ووزراه المالية بجانب الأقساط الدورية أو المساهمات السنوية التي تتغاضها أنظمة الضمان سنوياً نظير الضمان أو الحماية التي تقوم بها علاوة على الأرباح المتأتية من استثمار أموالها وأية أموال تقترضها أنظمة الضمان وفقاً لأحكام قوانينها كما هو الحال في السودان حيث يساهم في رأس مال الصندوق كل من بنك السودان ووزراه المالية والبنوك العاملة بالبلاد، كما تقوم البنوك بدفع مساهمة سنوية تقدر بنسبة محددة من أجمالي مساهمة البنوك السنوية وهذا ينطبق على معظم أنظمة الضمان إلا أن الاستثناء الوحيد في السودان هو أن أصحاب ودائع الاستثمار يقومون بدفع مساهمة سنوية بنسبة محددة من متوسط جملة ودائعها، ويقوم كل من بنك السودان ووزراه المالية بدفع مساهمة سنوية تقدر بنسبة محددة من متوسط جملة ودائعهم وبالتالي فإن الصندوق يقوم على أساس نظام التكافل بين الحكومة، ممثلة بوزارة المالية وبنك السودان والبنوك العاملة وأصحاب ودائع الاستثمار أنفسهم وبالتالي هو نظام فريد ومتميز قد لا نجد له مثيلاً في أنظمة ضمان الودائع المصرفية.
إلا أن هناك بعض الاختلافات ففي بعض البلدان ككندا مثلاً ترى الدولة أن على المصارف وحدها تحمل تكلفة الضمان وفي فرنسا لا تكون هنالك أرصدة نقدية لدى مؤسسة الضمان ويكون الاعتماد على الترتيبات التي تتم لكل حالة فشل مالي على حدة وذلك عن طريق فرض رسوم على المصارف الأعضاء لتغطية الخسائر عند حدوثها.
وفي معظم أنظمة الضمان تكون المساهمة السنوية المفروضة على البنوك والمؤسسات المالية بنسبة مئوية موحدة (Flat Rate) من حجم ودائعها وتختلف هذه النسبة من دولة إلى أخرى فمثلاً نجدها في كندا 0.033 % وفي كل من الهند والبحرين 0.05% وفي الأردن 0.02% بينما في السودان 0.002%.
إلا أن هنالك بعض الدول التي تتبنى نظاماً للمساهمات السنوية مؤسسات على درجة المخاطر للمصارف الأعضاء في النظام (Risk Based Assessment) كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية وبالرغم من أن هذا النظام يعتبر أكثر عدالة وكفاءة إلا أنه أكثر صعوبة من ناحية إدارية وفنية لاعتماده على تقدير درجة المخاطرة المتوقعة في كل مصرف وبالتالي لا يناسب أنظمة الضمان في مراحل نموها الأولى.
السمات العامة قانون ولوائح نظام ضمان الودائع في السودان:
للحديث عن القوانين والتعليمات التي تنظم عمل أنظمة ضمان الودائع سوف نستعرض بإيجاز أهم معالم قانون صندوق ضمان الودائع المصرفية السوداني وذلك لأنه من أحدث القوانين في مجال ضمان الودائع وبالتالي استفاد من كافة التجارب السابقة في هذا المجال وخاصة تجارب الدول المشابهة للسودان في النواحي الاقتصادية والاجتماعية، ولقد لعب بنك السودان المحور الأساسي في وضعه فقد رأت السلطة النقدية في عام 1996م أن الظروف أصبحت ملحة وتدعو لإبراز صندوق ضمان الودائع المصرفية إلى حيز الوجود لما لهذا الصندوق من فوائد جمة في تفادي الأزمات المصرفية التي تهدد الثقة العامة في الجهاز المصرفي ولقد أجاز المجلس الوطني الانتقالي ووافق رئيس الجمهورية على القانون في 1996م.
وكما بين القانون، فإن الهدف من إنشاء صندوق ضمان الودائع المصرفية هو حماية حقوق المودعين واستقرار وسلامة المصارف المضمونة وتدعيم الثقة فيها بالإضافة إلى جبر الأضرار عند وقوعها بتعاون وتكافل السلطات النقدية والمصارف والمودعين أنفسهم.
الصندوق يتمتع بشخصية اعتبارية ذات استغلال مالي وإداري ولقد ألزم القانون كل من بنك السودان ووزراه المالية والبنوك العالمة بالبلاد بما فيها فروع المصارف الأجنبية بالمساهمة في رأس مال الصندوق.
وحدد القانون مصادر أموال الصندوق برأس ماله والمساهمات السنوية التي يتقاضها مقابل الضمان والحماية التي يقوم بها بالإضافة إلى الأرباح من استثمار أمواله وأية أموال يقترضها وفقا لأحكام قانونه.
وفيما يتعلق بإدارة الصندوق فقد نص القانون على أن يتولى إدارة شئون الصندوق مجلس إدارة مؤلف من محافظ بنك السودان رئيساً والمدير العام للصندوق عضواً ومقررا وعضوية كل من وكيل أول وزارة المالية ومدير عام الإدارة العامة للرقابة على المصارف والمؤسسات المالية ببنك السودان وثلاثة أعضاء من ذوي الخبرة والمعرفة بالعمل المصرفي يتم ترشيحهما بواسطة اتحاد المصارف السوداني وشخصان من ذوي الكفاءة يختارهما وزير المالية بالتشاور مع المحافظ كما حدد القانون مدة عضوية الأعضاء بسنتين قابلة للتجديد مرة واحدة فحسب.
وينص القانون على أن يضمن الصندوق جملة الودائع بالعملة المحلية بكل أنواعها وآجالها باستثناء الودائع المحجوزة كضمان أو تامين لعمليات مصرفية وذلك وفقاً لشروط وسقوف محددة بالقانون.
وفي حالة توقف أي مصرف عضو للصندوق عن الدفع (حالة التصفية أو الدمج أو إعادة الهيكلة)، يدفع الصندوق بالدينار السوداني المبالغ المضمونة لمستحقيها ويحل محلهم في حقوقهم حلولا قانونيا.
يتم دفع المبالغ المضمونة خلال فترة شهرين على الأكثر من تاريخ التوقف عن الدفع. بينما يتم السداد للصندوق من المبلغ القابل للدفع للمودعين- أن وجد مبلغاً لا يتجاوز المبلغ الذي دفعه الصندوق.
وفيما يتعلق بحق الصندوق بالاقتراض، سمحت المادة(6) من القانون للصندوق للاقتراض بضمان أو بدون ضمان وفقاً للصيغ الإسلامية.
وعن كيفية استثمار أموال الصندوق، فقد جاء في المادة (6) من القانون أن للصندوق سلطة استثمار أمواله الفائضة أو غير الموظفة وفقاً لمقتضيات السلامة المالية.
الخاتمة:
أن الدور الأساسي لأنظمة ضمان الودائع المصرفية والمتمثل في ثقة جمهور المودعين في الجهاز المصرفي وقدرته على حماية ودائعه، هو الأساس المتين في وجود جهاز مصرفي قوي ومتطور وقادر على مواكبة التغيرات المستمرة في الصناعة المصرفية وبالتالي قادر على تحقيق أهدافه الاقتصادية والاجتماعية بفاعلية وكفاءة.
المصادر:-
1. قوانين أنظمة ضمان الودائع لكل من (السودان، الأردن، البحرين، مصر، المملكة المتحدة).
2. مؤسسات ضمان الودائع المصرفية، أبحاث ومناقشات الندوة التي نظمها اتحاد المصارف العربية، 1992م.
3. صندوق النقد الدولي، ورقة عمل عن الممارسة المثلى لتامين الودائع المصرفية، ابريل 1999م.